فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله} الآية.
في أن وجهان:
أظهرهما: أنَّها مصدريةٌ، وموضعها إما نصبٌ، أو جرٌّ؛ لأنَّها على حذف حرف الجر، إذ التقدير: في ألاَّ يُعذِّبهم، وهذا الجارُّ متعلقٌ بما تعلَّ به: {لَهُمْ} من الاستقرار، والتقديرُ: أيَّ شيءٍ استقر لهم في عدم تعذيبِ اللَّهِ إياهم؟ بمعنى: لا حظ لهم في انتفاء العذاب.
والثاني: أنَّها زائدةٌ وهو قول الأخفش.
قال النَّحَّاسُ: لو كانت كما قال لرفع {يُعذِّبهم}.
يعني النَّحاس: فكان ينبغي أن يرتفع الفعلُ على أنه واقعٌ موضع الحال، كقوله: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله} [المائدة: 84] ولكن لا يلزمُ من الزيادةِ عدمُ العمل، ألا ترى: أنَّ مِنْ والباء يعملان وهما مزيدتان.
وقال أبُو البقاءِ: وقيل هو حال، وهو بعيدٌ، لأنَّ أنْ تُخلِّص الفعل للاستقبال.
والظَّاهرُ أنَّ ما في قول: {وَمَا لهُمْ} استفهامية، وهو استفهامٌ معناه التقرير، أي: كيف لا يُعذَّبُونَ وهم مُتَّصفون بهذه الحال؟.
وقيل: ما نافية، فهي إخبارٌ بذلك، أي: ليس عدمُ التَّعذيب، أي: لا ينتفي عنهم التعذيب مع تلبسهم بهذه الحال.
قوله: {وَمَا كانوا أَوْلِيَاءَهُ}
في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنَّها استئنافيةٌ، والهاء تعود على المسجد أي: وما كانُوا أولياءَ المسجد.
والثاني: أنَّها نسقٌ على الجملة الحاليَّة قبلها وهي: {وهُم يَصُدُّونَ} والمعنى: كيف لا يُعذِّبهُم اللَّه، وهم مُتَّصفون بهذين الوَصْفيْنِ: صدِّهم عن المسجد الحرام، وانتفاءِ كونهم أولياءه؟ ويجوزُ أن يعود الضَّميرُ على الله تعالى، أي: لم يكونوا أولياءَ الله. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ}.
نَفَى العذابَ عنهم في آية، وأَثْبَتَه في آية، فالمنفيُّ في الدنيا والمثْبَتُ في الآخرة.
ثم بيَّنَ إيصالَ العذاب إليهم في الآخرة بقوله تعالى: {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ} دليل الخطاب أن إعانة المسلمين على ما فيه قيام بحق الدين يوجب استحقاق القربة والثواب.
وفي الآية دليلٌ على أنه لا يعذِّب أولياءه بقوله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} فإذا عذَّبَ مَنْ يكونوا أولياءَه دلَّ على أنه يعذِّب من كان من جملة أوليائه. والمؤمنون كلُّهم أولياءُ الله لأنه قال: {اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257]. والمؤمِنَ- وإنْ عذِّب بمقدار جُرْمِه زمانًا فإنه لا يُخَلَّد في دار العقوبة، فما يُقاسون بالإضافة إلى تأبيد الخَلاصِ جَلَلٌ، وقيل:
إذا سَلِمَ العهدُ الذي كان بيننا ** فوُدِّي وإنْ شطَّ المزار سليمُ

قوله جلّ ذكره: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
وليس أولياؤه إلا المتقون، وهم الذين اتقوا الشِّرك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (35):

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانوا يفعلون عند البيت ما ينزه البيت عنه مما هو غاية في الجهل، قال مبينًا لجهلهم واستحقاقهم للنكال وبعدهم عن استحقاق ولايته: {وما كان صلاتهم} أي التي ينبغي أن تكون مبنية على الخشوع، وزاد في التبشيع عليهم بقوله: {عند البيت} أي فعلهم الذي يعدونه صلاة أو يبدلونها به {إلا مكاء} أي صفيرًا يشبه صفير الطير والدبر بريح الحدث- من مكا يمكو مكوًا ومكاء- إذا صفر بفيه أو شبك أصابعه ونفخ فيها، ومكت الشجرة بريحها: صوتت، والدبر بريح الحدث: صوت- قال أبو حيان: وجاء على فعال أي بالضم ويكثر فعال في الأصوات كالصراخ- انتهى.
{وتصدية} أي وتصفيقًا، كان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم مقصورة، فيكون تصويتهم ذلك يشبه الذي رجّع الصوت في المكان الخالي، فهو كناية عن أن صلاتهم لا معنى لها، وأصله صدد- مضاعف- إذا أعرض ومال مثل التظني من ظنن-، فهذا لهو لا عبادة وهزء لا جد مع أن الأمر جد وأيّ جد كما قال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون} [النجم: 59- 61] أي ولا تبكون في حال جدكم بدأبكم في العمل الصالح، فهذا الذي يعملونه مناف لحال البيت فهو تخريب لا تعمير، قال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه يصفران ويصفقان، ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا عليه صلاته، وتقدير الكلام على قراءة الأعمش: صلاتهم- بالنصب: وما كان شيء إلا مكاء وتصدية صلاتهم، فنفى عما يجعلونه صلاة كل شيء إلا المكاء والتصدية، فالصلاة مقصورة عليهما بهذا الاعتبار، فقد صارت بهذا الطريق بمعنى القراءة المشهورة سواء فتأمله فإنه نفيس جدًا، وخرج عليه الخلاف في آية الأنعام {ثم لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] وغيره، وقد مضى هناك ما ينفع هنا، ومما يجب أن يعلم أن هؤلاء لم يذمهم الله لأنه أعلى الذم، بل ذمهم لكونهم اتخذوا العبادة لعبًا لينبه بذلك على ذم من أشبههم في ذلك فعمد إلى ما هو مباح في أصله فاتخذه دينًا فكيف إذا كان مكروهًا أم كيف إذا كان حرامًا، فقبح الله قومًا ادعوا أنهم أعرضوا عن الدنيا ثم اتخذوا الطبول والغنى والتصدية شعارهم ثم ضربوا به حتى فعلوه في المساجد وزادوا على فعل الجاهلية الرقص الذي ابتدعه قوم السامري لما عبدوا العجل، فأخذوا أنواعًا من أفعال أنواع من الكفرة وجعلوها عادتهم وشعارهم وديانتهم، فلقد انتهكوا حرمات الشريعة وبدلوها واستهانوا بها واسترذلوها.
ولما كان مساق الكلام لبيان استحقاقهم العذاب، وأنه لا مانع لهم منه وكان قد أوقع بهم في هذه الغزوة مباديه، وكانت المواجهة بالتعنيف وقت إيقاع ما لا يطاق بالعدو إنكاء، قال مسببًا عن قبيح كا كانوا يرتكبونه: {فذوقوا العذاب} أي الذي توعدكم الله والذي رأيتموه ببدر وطلبتموه في استفتائكم حكم الاستهانة به {بما كنتم تكفرون} اي إنكم قد صرتم بهذا الفعل أهلًا لذوقه بما تسترون مما دلتكم عليه عقولكم من هذا الحق الواضح. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما قال في حق الكفار أنهم ما كانوا أولياء البيت الحرام.
وقال: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} [الأنفال: 34] بين بعده ما به خرجوا من أن يكونوا أولياء البيت، وهو أن صلاتهم عند البيت وتقربهم وعبادتهم إنما كان بالمكاء والتصدية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال صاحب الكشاف: المكاء فعال بوزن النغاء والرغاء من مكا يمكو إذا صفر، والمكاء الصفير.
ومنه المكاء وهو طائر يألف الريف، وجمعه المكاكي سمى بذلك لكثرة مكانه.
وأما التصدية فهي التصفيق.
يقال: صدى يصدي تصدية إذا صفق بيديه، وفي أصلها قولان: الأول: أنها من الصدى وهو الصوت الذي يرجع من جبل.
الثاني: قال أبو عبيدة: أصلها تصددة، فأبدلت الياء من الدال.
ومنه قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] أي يعجزون، وأنكر بعضهم هذا الكلام، والأزهري صحح قول أبي عبيدة.
وقال: صدى أصله صدى، فكثرت الدالات الدالة فقلبت إحداهن ياء.
إذا عرفت هذا فنقول: قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة يصفرون ويصفقون وقال مجاهد: كانوا يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ويستهزءون به ويصفرون ويخلطون عليه طوافه وصلاته، وقال مقاتل: كان إذا صلى الرسول في المسجد يقومون عن يمينه ويساره بالتصفير والتصفيق ليخلطوا عليه صلاته.
فعلى قول ابن عباس: كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول مجاهد ومقاتل، كان إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
والأول أقرب لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً}.
فإن قيل: المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف يجوز استثناؤهما عن الصلاة؟
قلنا: فيه وجوه: الأول: أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة، فخرج هذا الاستثناء على حسب معتقدهم.
الثاني: أن هذا كقولك وددت الأمير فجعل جفائي صلتي.
أي أقام الجفاء مقام الصلة فكذا ههنا.
الثالث: الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له، كما تقول العرب، ما لفلان عيب إلا السخاء.
يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له.
ثم قال تعالى: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي عذاب السيف يوم بدر، وقيل: يقال لهم في الآخرة: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ}
معناه وما لهم ألا يعذبهم الله: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً}، يعني لم تكن صلاتهم حول البيت إلاّ مكاءً، يعني إلا الصفير وتصدية، يعني التصفيق باليدين، إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام.
قرأ الأعمش {مَا كَانَ صَلاَتِهِمْ} بالنصب {إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} بالضم؛ وهكذا قرأ عاصم في إحدى الروايتين، فجعل الصلاة خبر كان وجعل المكاء والتصدية اسم كان؛ وقرأ الباقون {صَلاَتِهِمْ} بالضم فجعلوه اسم كان {مُكَاء وَتَصْدِيَةً} بالنصب على معنى خبر كان.
ثم قال: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} بتوحيد الله تعالى، فأهلكهم الله تعالى في الدنيا ولهم عذاب الخلود في الآخرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والمكاء الصفير. يقال مكاءً تمكّوا مكا ومكوا. وقال عنترة:
وحليل غانية تركت مجدّلًا ** تمكوا فريصته كشدق الاعلم

ومنه قيل: مكت اسم الدابة مكأ إذا نفخت بالريح.
(وتصدية) يعني التصفيق.
قال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله: {إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} فجمع كفيه ثمّ نفخ فيها صفيرًا.
وقال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون. وقال مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به فيدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون، يخلطون عليه صلاته وطوافه.
وقال مقاتل: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه فيصفران ويصفقان ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاته. وهم بنو عبد الدار فقتلهم الله ببدر.
وقال السدي: المكاء الصفير على لحن طائر أبيض يكون بالحجاز يقال له: المكا.
قال الشاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة ** قيل لأهل الشاء والحمرات

وقال سعيد بن جبير وابن إسحاق وابن زيد: التصدية صدهم عن بيت الله وعن دين الله، والتصدية على هذا التأويل التصديد فقلبت إحدى الدالين تاءً كما يقال تظنيت من الظن.
قال الشاعر:
تقضي البازي إذا البازي كسر

يريد: تظنيت وتفضض.
وقرأ الفضل عن عاصم: وما كان صلاتهم بالنصف إلا مكاء وتصدية بالرفع محل الخبر في الصلاة كما قال القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضباعًا ** ولا يك موقف منك الوداعا

وسمعت مَنْ يقول: كان المكاء أذانهم والتصفيق إقامتهم {فَذُوقُواْ العذاب} يوم بدر {بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}. اهـ.